الخميس، ١٨ رمضان ١٤٣٢ هـ

هل تعــاهدني على ترك الكذب


تقدّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل يريد الإسلام فبعد أن نـطق بالشّهادة قال: "إنّي أقـترف من الذنوب يا رسول الله ما لا أستطيع تركه" فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "هل تعاهدني على ترك الكذب" قال "نعم" ثمّ عاهده على ذلك وانصرف وهو يقول في نفسه "ما أهون ما طلب منيّ هذا النّبي الكريم".
      فلمّا أراد الرّجل بعد ذلك أن يسرق قال في نفسه "إن سرقت وسألني الرسول فماذا يكون جوابي إن أجبت بنعم فقد حقّ عليّ العقاب وإن أجبت بلا فقد كذبت وقد عاهدته على ترك الكذب إذن فخير لي أن أبتعد عن السرقة".
      فابتعد عنها وصار بعد ذلك يتذكّر عهده كلّما حدثته نفسه بارتكاب إثم فيبتعد عنه حتىّ صلح حاله وصار من خيار النّاس العاملين على نصرة ا لدّين والتّمسّك به وبفضائله.

الشـروق


قبل أن يسرق الشّمس علينا بضيائها الباهر ترسل من أشعّتها شعاعا ينـزل على ظلمة الليل فيخفّفها ويقابل السّحب والغمام فتفتح له صدرها فرحا بقدومه وتتزيّن بأجمل الألوان من أحمر وأزرق وأخضر وبنفسجي وتلبس السّماء في الشّرق والغرب لباسا مبرقشا منظره جميل تجتذب النّاس إلى التبكـير في القيام ليتمتّعوا بما خلق الله من جمال وبهاء ثمّ تزيد الأشعّة في الظهور قليلا قليلا فتغيّر بشدّتها تلك الألوان الزّاهية فتنقلب كلّها حمراء خالصة وأخيرا تظهر الشمس فوق الأفق فتملأ الدنيا ضياء ونشاطا.
      وأمّا من يظلّ نائـما في فراشه إلى ضحوة النّهار فهو الكسلان الّذي لا يجد في نفسه همّة لاجتلاء دواعي السّرور فكيف يستطيع أن يؤدّي نصيبه من الأعمال وقد جاء في الحديث الشّريف "نومة الصّبح تورث الفقـر".

الأربعاء، ١٧ رمضان ١٤٣٢ هـ

التـهاون


كان رجلان يشتغلان في صنع سفينة فوجدا دودة في قطعة خشب صغيرة وأراد أحدهما أن يرميها فلم يرض زميله وقال "إنّها خشبة صغيرة لا تأثير لها في بناء السّفينة وفي رميها خسارة علينا". فأدخلت الخشبة وتمّت السّفينة وصارت تغدو وتروح في البحر بسلام وبعد سنين قليلة ولدت الدودة ديدانا كثيرة أكلت قلب الخشبة حتىّ نخرتها وسرت فيما جاورها من الخشب حتىّ وهن وصادف السّفينة نوء شديد خرمها خرما صغيرا دخل منه الماء ثمّ اتّسع الخرم حتىّ لم يستطع الملاّحون تصريف الماء الداخل في السّفينة فتثاقلت وغرقت بما فيها من الأموال والأنفس.
      ولا شكّ أنّ هذا الخرم لم ينشأ إلاّ من تلك الخشبة الصغيرة الّتي كانت فيها الدودة ولو رميت عند ما ظهر عيبها لما حصلت هذه المصيـبة المحزنة فإنّ العمل الصغير كثيرا ما يأتي بنتائج يكون لها تأتـثير كبير إنّ الأمور دقيقها مماّ يهيج له العظيم.

نهضة اللغة


لقد أتى على اللّغة العربيّة حين من الدّهر هجرها فيه أهلها أياّم دول المماليك ونسوا ما كانت عليه من الفصاحة والرقيّ والانتشار العظيم في كثير من الأقطار بين جميع الطبقات عظيمها وحقيرها لما امتازت به من الرقّة والسّعة أياّم دول الإسلام. ولقد شعر العرب بعد انتظام بلادهم في هذا العصر الحديث بشدّة الحاجة إلى إحياء اللّغة فنشأت بين أظهرهم نهضة مباركة تناولت كلّ طبقات الأمّة فحريّ بأبناء البلاد اليوم أن يعملوا جهدهم على بلوغ هذه الغاية فإذا تكلّمت فلا تستعمل من الكلمات إلاّ ما يصحّ أن تكتبه وإذا كتبت فلا تكتب إلاّ الكلمات الّتي تراها في الكتب وحينئذ يجب عليك إذا قرأت أن تضبط الكلمات لأنهّا ستأتي في حديثك مع الناّس وأن تتأمّل إلى رسمها لأنّك ستكتبها في دروسك أو في رسائلك وأن تعلّق معناها وتعرف مواضع استعمالها حتىّ تكون مدقّقا فالنّاس لا يعرفون أنّك تعلّمت إلاّ إذا كنت مدقّقا في قولك وكتابتك ولغتنا لا تحيا ولا تزهو إلاّ إذا نهضنا بها على هذا النحو فتجنّب لغة العامّة والتزم التعبير باللّغة الصحيحة ما قدرت فإذا قام كلّ المتعلّمين بذلك كثر ا لمتكلّمون باللّغة الصّحيحة وإذا كثروا كثر المقتدون بهم وعمّت الألفاظ الصّحيحة جميع طبقات الأمّة وألف النّاس الألفاظ العلمية فتكونون قد أدّيتم بذلك خدمة للغة الإسلام.

الثلاثاء، ١٦ رمضان ١٤٣٢ هـ

الغـراب والجـرّة


عطش غراب وأراد الشّرب, وطفق يبحث عن ماء في كلّ ماجاوره من الجهات. فخاب سعيه ولم يجد إلاّ جرّة في قعرها قليل من الماء, لم يقدر أن يصل إليه لبعد غورها ولطول عنقها. ولكنّ العطش اشـتدّ به, فأعمل فكره في تدبـير حيلة يرفع بها الماء إليه, مادام هو غير قادر على الوصول إلى الماء, وصمّم على ألاّ يترك المكان, حتىّ يشرب من تلك الجرّة. وقال في نفسه "إذا صدق العزم وضح السـبيل".
      عند ذلك التفت حوله, فرأى حجارة صغيرة كثيرة, فذهب إليها وأخذ واحدا بمنقاره, ورماه في الجرّة, فارتفع الماء قليلا. فعاد وجاء بغيره. فزاد ارتفاع الماء. فأدرك أنّه إذا استـمرّ على عمله هذا ودأب عليه, بلغ غايته وأطفأ حرارة عطشه. فلبث ينقل الحجارة ويرميها في جوف الجرّة, والماء يرتفع فيها قليلا قليلا, حتىّ أمكنه أن يصل إليه أخيرا, فشرب حتىّ روي بعد صبره وجدّه وكذلك "كلّ من جدّ وجد".

الاثنين، ١٥ رمضان ١٤٣٢ هـ

هديّة الفــيران


كان لامرأة قطّ جميل تحبّه كثيرا لبراعته في صيد الفيران, وتتسلّى بمداعبته ساعات الانفراد. فخرج القطّ يوما ولم يعد كعادته. فقلقت المرأة عليه, وخرجت تبحث عنه, فوجدته في الطّريق قتيلا برصاصة في رأسه. فحزنت عليه حزنا شديدا.
      وبعد أيّام قلائل, بلغها أنّ جارها هو الّذي قتل ذلك القطّ لحاجة في نفسه. فاغتاظت من ذلك الفعل السيّئ, وصمّمت على الانتقام من جارها, الّذي لم يراع حرمة الجوار, ولم يشك ذلك القطّ إليها أبدا. فاشترت جملة مصايد للفيران, صادت بها أكثر من خمسين فأرا. ثمّ وضعت الفيران في صندوق كبيرا, وكتبت عليه اسم جارها وأرسلته إليه بالبريد.
      ولماّ تسلّم الرّجل الصّندوق فرح به, وظنّه هديّة نفيسة من أحد أصدقائه. ففتحه ليرى ما فيه, وإذا الفيران خرجت تثب في وجهه, وانتشرت في أنحاء الغرفة وهو يتقزّز من ذلك المنظر الخبيث, ولم يدر سببا لهذه المكيدة. ثمّ التفت في ا لصندوق فرأى ورقة مكتوبا فيها العبارة الآتية:
"لقد قتلت قطّي وحرمتني وجوده, فأهديت لك هذه الفيران الّتي أصبحت تمرح في بيتي بلا رقيب"
فصبر الرّجل على هذه المصيبة, الّتي اعتبرها جزاء حقّا على سوء فعله.

الأحد، ١٤ رمضان ١٤٣٢ هـ

الحـمامة والنملة


ذهبت نملة صغيرة إلى جدول ماء لتشرب وتستريح, بعد أن تعبت كثيرا في جمع قوتها. فزلّت قدمها وسقطت في الماء, ولم يمكنها الخروج منه, لأنّها لا تعرف السباحة وكادت تغرق.
      وكانت حمامة بيضاء جميلة واقفة على حجر في الماء, ورأت ما حصل للنملة. فرقّ لها قلبها وسعت في خلاصها, فطارت إلى البـرّ ورجعت, وفي منقارها عود من الحشيش, مـدّته على الماء إلى البـرّ. فتعلّقت به النملة وخرجت من الماء بسلام.
      وبعد ذلك بأيـّام, نزلت الحمامة على فرع شجرة تتظلّل بأورقها. فمرّ صيّاد من بعد ورآها. فوقف يصوّب بنـدقيّته نحوها ليصيدها, وهي لم تره فتطـير. ولكنّ النملة الّتي خلّصتها تلك الحمامة رأت الصيّاد وعزمت ما عزم عليه, فصعدت في جسمه, ولماّ همّ بإطلاق بندقيّته, قرصته قرصة شديدة أفزعته, فتحرّك فمالت الرّصاصة ولم تصب الحمامة, بل نجت جزاء إحسانها إلى النّملة. "ومن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره".